كثيرا ما يعتقد المسلم أنه يسير على منهج صحيح فيما يتعلق بعباداته، والفروض التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وما يتعلق بها من حرام وحلال، خاصة ما يشتبه عليه، ولا يلقي له بالا.
وعدم التفقه في الدين والجهل بالأحكام الشرعية يجعل الإنسان يتخبط ويعتقد أنه يسير على المنهج السليم، ويظل السنوات الطوال مطمئنا لذلك، في حين أنه على خطأ جسيم، وقد يقع في حظيرة الحرام، وتلتبس الأمور عليه.
قال صلى الله عليه وسلم: «إَنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإَنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَينَهُمَا أُمُورٌ مُشتَبِهَاتٍ لا يَعلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقد استَبرَأَ لِدِينِهِ وِعِرضِهَ، وِمَن وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرعَى حَولَ الحِمَى يوُشِكُ أَن يرتَعَ فِيهِ، أَلا وإِنَّ َلِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً، أَلا وإِنَّ حِمىَ الَّلهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلبُ».
ومن الأمور التي يقع فيها الكثيرون مسألة نسمع دائما فيها لفظ دارج وخاصة لدي الأمهات والجدات إنه مثل أخيك وإنها مثل أختك، ومثل أبيك ومثل أمك، وقد عاينت مواقف كثيرة، فأردت توضيح مسألة هامة جدا ألا وهي: المحرمات من النساء:
يقول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 23].
هذه الآية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب وما يتبعه من الرضاع والمحارم بالصهر، عن ابن عباس قال: «حرمت عليكم سبع نسبًا وسبع صهرًا» ثم قرأ الآية.
ويتبين لنا أن التحريم قسمان:
١- تحريم مؤبد: ويعنى أن المرأة يحرم الزواج بها أبدا في جميع الأوقات في جميع الحالات.
٢- تحريم مؤقت: يحرم الزاوج بالمرأة ما دامت في حالة خاصة قائمة بها، فإذا زالت تلك الحالة لظرف ما، في وقت ما، زال التحريم وجاز التزوج بها.
والتحريم المؤبد له ثلاثة أسباب: النسب- المصاهرة- والرضاع، نفصلها فيما يلي:
أولا: المحرمات بسبب النسب:
١- الأمهات: ويدخل في ذلك: الأم- أمهاتها- جداتها- أم الأب وجداته، وإن علون فشمل اللفظ الجدات من قبل الأم والأب، (أمك- أم أبيك- أم أمك- أم أم أمك).
٢- البنات: وهي كل أنثى يرجع نسبها إليك بدرجة أو درجات، فيدخل في ذلك بنت الصلب وبناتها وبنات الأولاد وإن نزلن (بنتك- بنت الابن- بنت البنت).
٣- الأخوات: كل أنثى من أصليك (الأب والأم) أو أحدهما؛ أي الأخت الشقيقة أو كانت لأب أو أم فقط. (أختك من أبيك وأمك- أختك من أبيك- أختك من أمك).
٤- العمات: أخوات آبائكم وأخوات أجدادكم (أخت الأب)، اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه، أو أحدهما، وهي أخت أبي أمك (أي أخت الجد) تعتبر عمة للرجل (عمتك- عمة أبيك- عمة أمك) وإن علون.
٥- الخالات: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما (خالتك- خالة أبيك- خالة أمك).
٦- بنت الأخ: اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بواسطة أو مباشرة (بنت أخيك- بنت ابن أخيك- بنت بنت أخيك) وإن نزلت.
٧- بنت الأخت: ويدخل فيهن أولادهن (بنت أختك- بنت ابن أختك- بنت بنت أختك) وإن نزلت.
ثانيا: المحرمات بسبب المصاهرة:
والمصاهرة: هي القرابة الناشئة بسبب الزواج.
١- أصول الزوجة: (أمها- أم زوجته- أم أمها- أم أبيها) أي جداتها من أمها وأبيها، وإن علون.
ملحوظة هامة: سواء دخل الرجل بزوجته أم لم يدخل تحرم عليه أمها على الإطلاق؛ أي يسري هذا التحريم بمجرد العقد على الزوجة.
٢- فروع الزوجة: أي ربائبه (ابنة زوجته- بنات بناتها- بنات أبنائها)؛ يعني بنات بنت الزوجة، وبنات أولاد الزوجة الذكور، وإن نزلن.
ملحوظة هامة: لا يسري هذا التحريم إلا بعد الدخول بالزوجة، فيصير تحريما مؤبدا؛ أي أن التحريم لا يسري بمجرد العقد، فإن عقد على الأم وطلقها قبل الدخول بها، فالابنة تحل له.
٣- زوجات الأب وزوجات أجداده من الجهتين: فيحرم على الرجل الزواج
(بزوجة أبيه- زوجة أحد أجداده لأبيه أو أمه) مهما علون.
روى ابن جرير عن ابن عباس، قال: كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين فأنزل الله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلًا} [النساء: 22].
ملحوظة هامة: يسري هذا التحريم بمجرد عقد الأب عليها ولو لم يدخل بها.
٤- زوجات الأبناء وأبناء الأولاد؛ أي زوجات أحفاده: يحرم على الرجل الزواج من امرأة ابنه من صلبه- زوجات أبناء الأولاد؛ أي امرأة ابن ابنه، أو امرأة ابن بنته، مهما نزل.
ملحوظة هامة: يشمل هذا التحريم زوجات الأبناء من الصلب فقط، والدليل قوله سبحانه وتعالى: {... وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ...} [النساءَ: من الآية 23].
ويُحترز بذلك الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية كما في قصة زيد بن حارثة، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبناه، وكان يُدعى زيد ابن محمد، ثم دعي إلي أبيه بعد إبطال التبني، ورد الأدعياء إلى آبائهم، وشاء الله إزالة آثار التبني، بتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من مطلقة متبناه- زينب بنت جحش- يقول الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: من الآية 37].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة لزينب رضي الله عنها يطلبها للزواج وذلك بعد انقضاء عدتها من زيد، وكان ذلك أمر الله تعالى وفي ذلك عن أنس رضي الله عنه قال: إن زينب بنت جحش رضي الله عنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات.
ثالثا: المحرمات بسبب الرضاع:
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ...} [النساء: من الآية 23].
يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب والصهر، فكما يحرم عليك أمك التي ولدتك، كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك، فتنزل المرضعة منزلة الأم، وتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة».
١- الأم من الرضاعة: فالأم المُرضعة بإرضاعها تعد أما للرضيع، وكذلك جميع أصولها مهما علون أم المرضعة، أم زوج المرضعة؛ فأم المرضعة لأنها جدة له، وأم زوج المرضعة، فهو صاحب اللبن، وهي جدة له كذلك.
۲- البنت من الرضاعة: البنت، بناتها، بنات بنيها، بنات بناتها مهما نزلن، وبنت الرجل من الرضاعة هي من أرضعتها زوجته وهي في عصمته.
٣- الأخت من الرضاعة: الأخت لأب وأم، الأخت لأب، الأخت لأم وبناتها مهما نزل؛ فالأخت لأب وأم هي الأم التي أرضعت بنت بلبن زوجها الذي هو أب نفس الرجل، سواء رضعت مع الطفل الرضيع أو قبله أو بعده، فالبنت تعتبر أخت له من أب وأم لأنها رضعت من ثدي أمه بلبن أبيه.
الأخت لأب: فهي التي أرضعتها زوجة الأب.
الأخت لأم: هي التي أرضعتها الأم بلبن رجل آخر، يعني أم الرجل متزوجة من رجل آخر غير الأب، وأرضعت بنت، فهذه الأم رغم أنها أرضعت بلبن رجل آخر غير أبيه، فالبنت تحرم عليه كذلك لأنها رضعت من أمه.
٤- الخالة من الرضاع: هي أخت المرضع، فهي تعتبر خالة الرضيع، فأمه التي أرضعته أختها تصير خالته.
٥- العمة من الرضاع: هي أخت زوجها- صاحب اللبن- فأخت زوج المُرضع تصير عمة الابن بالرضاعة.
٦- أم الزوجة من الرضاع: امرأة أرضعت الزوجة وهي صغيرة، فأم الزوجة من الرضاع تحرم على الرجل، وأصول هذه الأم مهما علون.
ملحوظة هامة: يسري هذا التحريم بمجرد العقد على المرأة، كما في النسب.
٧- زوجة الأب أو الجد من الرضاع مهما علا: الأب من الرضاع هو من رضع الطفل من زوجته، فيحرم على هذا الطفل الزواج منها، فهي أمه من الرضاعة، كذلك يحرم عليه الزواج من زوجة زوجها الأخرى- ضرتها- لأنها تعتبر زوجة أبيه من الرضاعة.
۸- زوجة الابن من الرضاعة: طفل رضع من زوجته بلبنه- الزوج-، هذا يعتبر ابنه من الرضاعة، فزوجة ابنه من الرضاعة محرمة عليه مهما نزل، أي زوجة ابنه وبنت زوجة ابنه وبنت بنت زوجة ابنه.. وهكذا لأنه في حكم جدها.
۹- الجمع بين المرأة الزوجة وأختها من الرضاعة: زوجته لها أخت من الرضاعة يحرم عليه الجمع بينهما، ويحرم عليه الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها من الرضاعة، أو أي امرأة أخرى ذات رحم منها من ناحية الرضاع.
۱۰- بنت الزوجة من الرضاعة: وهى من كانت الزوجة قد أرضعتها قبل أن تتزوج الرجل، وبنات أولادها وبنات بنيها مهما نزلوا.
ملحوظة هامة: الرضاع الذي يثبت به التحريم
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن، عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم الرضعة أو الرضعتان، أو المصة والمصتان».
ويُشترط أن يكون الرضاع في الحولين، لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...} [البقرة: من الآية 233].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام».
رابعا: المحرمات بسبب اللعان أو الملاعنة:
ويلحق بالتحريم المؤبد نوع من التحريم سببه ليس النسب ولا المصاهرة ولا الرضاع وهو: اللعان أو الملاعنة.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: ٦- 9].
هذه الآية الكريمة مخرج للأزواج إذا قذف أحدهم زوجته، وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله سبحانه وتعالى، بإحضارها إلى الحاكم أو القاضي فيدَّعي عليها بما رماها به، فيُحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء {... إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ...} أي فيما رماها به من الزنا، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.
فإذا قال ذلك، بانت منه بنفس اللعان وحُرمت عليه أبدا؛ فالثابت بين المتلاعنين:
أولا: التفريق لحديث ابن عمر قال: «لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين رجل وامرأة من الأنصار وفرق بينهما».
ثانيا: التحريم المؤبد: لقول سهل بن سعد: «مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا».
الكاتب: إكرام جلال.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.